أيقونة الإغراء الشقراء
“مارلين مونرو”… أسطورة حية بين الواقع والخيال
في عمق عينيها اللتين أبهرتا العالم بسحرهما وجمالهما حزنٌ وضياع, ووراء جسدها الفاتن الذي بات رمزاً للإغواء والإثارة يتوارى ذكاؤها وموهبتها, وخلف شهرتها الأخاذة امرأة معذبة ومشتتة… في هذا الصراع الدائم بين صورتها المثيرة التي تيّمت القلوب, وعوالمها الداخلية الأليمة عاشت “مارلين مونرو” طوال حياتها, وهي تحاول أن تُحطم أيقونة الإغراء الشقراء التي سُجنت بها, لتُظهر “نورما” (اسمها الحقيقي) الإنسانة الشفافة التي عبّرت عنها من خلال مذكراتها وقصائدها المبعثرة التي خرجت على الملأ بعد مماتها لتعيد تقييم واحدة من أعظم نجوم السينما التي حيّرت الملايين في حياتها ومماتها.
“نشأت في جو يخيم عليه الحزن وتحاصره الكآبة”
اسمها الأصلي “نورما جين بيكر مورتنسون” و”مونرو” هو لقب جدتها لأمها. ولدت في “لوس أنجلوس” بـ”كاليفورنيا” من أب مجهول الهوية, وعاشت طفولة معذبة هيمن عليها الفقر.
كانت والدتها تتعرض لنوبات متكررة من الجنون وقضت معظم حياتها في مستشفى الأمراض العقلية, ما أدى إلى تربية الطفلة مع عدد من الأسر البديلة، وهكذا تعرضت لسلسلة من المآسي في طفولتها، بما في ذلك تعرضها لمحاولة اغتصاب في سن السادسة.
تركت هذه الطفولة المضطربة آثارها النفسية على “مارلين مونرو” حتى وفاتها, وهذا ما عبرّت عنه بمذكراتها “نشأت في جو يخيم عليه الحزن وتحاصره الكآبة”.
تزوجت باكراً وهي في السادسة عشرة من عمرها من عامل عادي، ولكن هذا الزواج لم يستمر إلا أربع سنوات, وبعدها تزوجت لاعب البيسبول المعروف “جو ديماجو”, ومن ثم الكاتب المسرحي الشهير “آرثر ميللر” واستمر زواجهما حتى عام 1961.
من فتاة إعلانات إلى شهرة منقطعة النظير
اكتشف مصور صحفي عسكري تلك المرأة الجميلة ذات القوام الساحر والتقط لها صورة عرضت في مجلة عسكرية، وتحولت بفضلها إلى عارضة لملابس السباحة، وأخذت صورها تظهر على أغلفة المجلات, وسرعان ما اكتشفتها استوديوهات السينما في هوليوود، ووقّعت شركة “فوكس” عقداً معها في العام 1946, في السنة الأولى من عملها لم تقدم مارلين أي أدوار، لكنها دُربت على إلقاء الشعر وتعلم اللغة والتمثيل, ثم ظهرت في أدوار بسيطة, بدأت العمل فعلياً في السينما سنة 1947 في فيلم “السنوات الخطرة”. وبعد ذلك أسندت إليها أدوار غير كبيرة في فيلم “سيدات الجوقة”، و”أدغال الإسفلت”, و”كل شيء عن حواء”.
بدأ صعودها كممثلة سينمائية بدءاً من عام 1952 في فيلم “لا تهتم بالضرب” الذي أدت فيه دور جليسة أطفال غير متوازنة عقلياً, وأحبها الجمهور بالصورة الجميلة التي أرادت شركات الإنتاج تقديمها فيها على الرغم من أن النقاد لم يهتموا بعملها كممثلة, ثم أدت دور الفتاة الشقراء الساذجة في عدة أفلام منها “أعمال القرود” و”السادة يفضلون الشقراوات” و”كيف تتزوجين مليونيراً” و”محطة الباص” وغيرها.
وفي الخمسينيات من القرن العشرين أصبحت “مونرو” أكثر النجمات شعبية وصارت رمزاً للإغراء والأنوثة, وفي عام 1959 فازت “مونرو” بجائزة “الغولدن غلوب” لأحسن دور نسائي عن فيلمها “البعض يحبها ساخنة”، وكتب لها زوجها الكاتب “آرثر ميللر” دور “روزالين تابر” في فيلم “المنبوذون” عام 1961 وهو آخر فيلم لها اكتمل تصويره, أما الفيلم الذي تلاه “أشياء تعطى” عام 1962، فقد قضت نحبها قبل أن تكمله.
التأمل والفكر لدي “البلهاء الشقراء”!!
بعد ما يقارب نصف قرن على وفاتها تكشف مذكراتها وخواطرها التي نشرت في كتاب “شذرات” عمق الإنسانية والحساسية المرهفة في شخصية “مونرو”, والجانب التأملي والفكري فيها, لتصحح صورة “الشقراء البلهاء” التي اقترنت بشخصيتها,
حيث بدأت الأسطورة التي جسدت الجمال والإغراء الكتابة في السابعة عشرة من عمرها ورافقها قلمها حتى آخر يوم بحياتها, وكانت معظم كتاباتها وملاحظاتها تعبر عن مدى استيائها من تصويرها كأداة مثيرة للجنس, حيث كتبت في إحدى مذكراتها “لدي إحساس عميق بأنني لست حقيقية، بل إنني زيف مفتعل ومصنوع بمهارة وكل إنسان يحس في هذا العالم بهذا الإحساس بين وقت وآخر، ولكني أعيش هذا الإحساس طيلة الوقت، بل أظن أحياناً أنني لست إلا إنتاجاً سينمائياً فنياً أتقنوا صُنعه”.
كانت تهرب إلى الكتابة التي هي ملاذها الوحيد من الانهيار واليأس اللذين جعلاها تدمن المخدرات والكحول, وتصارع دوماً الرغبة في الانتحار والخوف من الجنون, ففي قصيدة بتاريخ 1960 كتبت تناجي الكاتب “آرثر ميللر” زوجها “أيها الصمت مازلت تؤلم رأسي وتصم أذني”, ويطالعنا ما كتبته لـ”لي ستراسبيرج” الذي ساعدها في التغلب على إضرابها أمام الكاميرا على مدى ضياعها وتشتتها حيث جاء في مذكراتها “لا أستطيع أن أجـمـــع ذاتي، ربمـا لأن كل شيء يسيـر ضد قدرتي على التركيـز، أي أن كل ما نفعله أو نعيشه يسـتـحيل تحقيقه”.
وإلى جانب موهبتها وقدرتها على التعبير كانت قارئة نهمة انكبت على دراسة تاريخ الفن، وأبحرت في أعماق “فرويد” والأدب الكلاسيكي.
هكذا مازالت تفاصيل حياة المرأة التي جمعت بين السحر والغموض والجمال والشفافية لغزاً أثار جدل الرأي العام وفضوله لكشف مكامن هذه الشخصية التي كان مصيرها الانتحار عام 1962 لتبقى أسطورة تتأرجح بين الواقع والخيال في ذاكرة الملايين.