في قضيتنا هذه أشياء وأحداث تدعو إلى التعجب، وخاصة تلك الطريقة التي استخدمها السيد “باسل” ضد عمه السيد “خليل”، فبالإضافة إلى رابطة الدم التي تجمعه مع عمه “خليل” والذي كان يثق به ويأتمنه على ماله وحياته، وكان يطلعه على كل صغيرة وكبيرة خاصة أن والد “باسل” شريك لأخيه في المعمل لم يكن يخطر على بال السيد “خليل” أن إبن أخيه سيغدر به في يوم من الأيام وأن “الأقارب عقارب”، لما يتصف به من طيبة قلب وبساطة متناهية، لكن الحقيقة تقول أن حجم النصب والاحتيال والغش والخداع من صفات ابن أخيه.
الأقارب عقارب
كان السيد “خليل” يملك أرضاً في “ريف دمشق” يقدر ثمنها بـ 80 مليون ليرة سورية، وكان السيد “باسل” يعلم كل شيء عن تلك الأرض، وقد استغل غياب عمه ووقع عقد بيع مزور بتوقيع عمه كفريق أول باع له الأرض و”باسل” الفريق الثاني، وقد قام أحد المحامين الجشعين الطامعين والذي سولت له نفسه بمعاونة السيد “باسل” على رسم خطة مفادها النصب وقد توجب الأمر لتسجيل العقار في السجل العقاري بإسم السيد “باسل” لزوم حضور عمه البائع، لكن “باسل” لم يجد أمامه سوى اللجوء إلى إقامة دعوى تثبيت بيع أمام المحكمة بدمشق أبرز فيها عقد البيع الكتابي والذي يحمل توقيع الفريقين معاً، وتمكن من وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار لأن المحكمة ليس من صلاحياتها التشكيك في صحة العقد المبرز لمجرد إبرازه، ولا بد من وضع إشارة الدعوى وهو من الإجراءات القانونية الضرورية في مثل هذه الدعاوى.
وهنا بعد تسجيل الدعوى وجب ضرورة تبليغ عمه البائع الذي هو السيد “خليل”، فكيف استطاع “باسل” حل تلك المعضلة؟
لجأ “باسل” إلى تبليغ عمه بواسطة حارس المزرعة الذي يملكها عمه ودفع له رشوة ليوقع بدلاً عن عمه بأنه بُلغ لحضور المحكمة ووقع على مذكرة “الدعوى” ومن ثم مذكرة “الإخطار” وسارت الدعوى بشكل روتيني خاصة أن العم قد بُلغ ولم يحضر المحكمة، ولا يخفى على أحد أن التبليغ صحيح طالما أن الحارس يعمل لدى السيد “خليل”. تم رفع الأوراق للتدقيق ونص المادة 114 من قانون أصول المحاكمات يقول: “إذا حضر المدعي أو المدعى عليه في أية جلسة اعتبرت الخصومة وجاهية في حقه”. ولو تخلف بعد ذلك يكون الحكم للسيد “باسل” بالعقار لذلك لم يحضر العم لأنه لا يعلم ماذا حصل!؟ ولم يعلم بالدعوى فحكمت المحكمة لصالح السيد “باسل” ببيع العقار له وتسجيله باسمه في السجل العقاري، وفقاً لنص المادة 132 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتي تنص على أنه: “إذا سكت المدعى عليه أو تخلف عن الحضور فللمحكمة أن تتخذ من سكوته أو تخلفه مسوّغاً للحكم بدعوى المدعي أو لقبول إثباتها بالبينة الشخصية أو القرائن في الأحوال التي لا يجيز فيها القانون الإثبات بغير الكتابة”.
يمهل ولا يهمل
إذاً القاضي ليس ملزماً بالتأكد من صحة الأوراق وتقتصر مهمته على سماع أقوال الطرفين وقراءة الأوراق التي بين يديه، ومن حق الأطراف إثارة ما يرونه ضرورياً.
بعد فترة زمنية قصيرة اكتشف السيد “خليل” نصب واحتيال إبن أخيه عليه فأصابته الصدمة، وقام برفع دعوى ضد إبن أخيه ليثبت للمحكمة أن “التوقيع المزور” هو توقيع “الحارس” الذي يعمل عنده وقد تواطأ مع “باسل” بالتزوير وعملية النصب والاحتيال هذه.
حُبس “الحارس” لعدة أيام وألزم بغرامة مالية بسيطة خاصة أن “باسل” استطاع أن يثبت للمحكمة أن التوقيع لعمه، وببساطة متناهية خسر السيد “خليل” أرضه وماله، وعلى إثر ذلك أصيب بجلطة قلبية أودت بحياته، لكن السيد “باسل” لم يهنأ بمال الحرام هذا وظلت لعنة عمه ترافقه أينما ذهب، وقد تعرض لعملية نصب واحتيال خسر فيها كل أمواله حتى أن زوجته وأولاده قد تخلوا عنه، وهذا يذكرنا بالقول الشريف “كما تكونوا يولى عليكم”.
المحامي: عصام دريج