الجاسوسة كارمن ماري موري
لقبت “بالملاك الأسود” وانتحرت بقطع شرايين يدها
كانت “كارمن ماري موري” فتاة حسناء لا تتجاوز الثانية والثلاثين من عمرها، من أصل سويسري، دخلت معسكرات النازية في ألمانيا عندما تعرفت على ضابط الاستخبارات الألماني “هانز” ووقعت في حبه، وقد وعدها بالزواج عندما تنجح في مهمتها كجاسوسة “للألمان”، وقد طلب منها معرفة أسرار خط “ماجينو”: “وهو خط دفاعي فرنسي أقيم على الحدود مع ألمانيا، ويتشكل من عدة أنفاق تحت الأرض، يمتد على مسافة “12” كلم داخل فرنسا، ومزود بعدة تحصينات قوية تناسب جميع أساليب القتال التي حدثت أثناء الحرب العالمية الأولى، ويحمل حواجز مضادة للدبابات وسكك حديدية تسهل الحركة”.
أصبحت “كارمن” واحدة من نجوم المجتمع الفرنسي:
قبل أن تندلع نيران الحرب العالمية الثانية وصلت “كارمن” إلى فرنسا بجواز سفر “سويسري”، وهناك أصبحت رفيقة مشتركة لعدد كبير من الضباط الفرنسيين والشخصيات العامة المرموقة. فأصبحت من نجوم المجتمع البارزين، كانت “كارمن” تذهب من وقت إلى آخر بزيارة قصيرة لبعض المدن والقرى التي كانت تحيط بخط “ماجينو”، وقد عرفت أشياء كثيرة عن تحصيناته وعن مواقع الألغام وسدود الحواجز المضادة للدبابات، ثم قامت بإرسال تلك المعلومات الهامة لحبيبها الألماني “هانز”، كانت مستعدة أن تفعل أي شيء من أجل الحصول على قلب “هانز”، حتى أتى اليوم الذي افتضح فيه أمرها وذلك عام “1939” حيث كانت فرنسا قلقة من أن تدخل الحرب ضد “هتلر”، كانت “كارمن” تتناول المشروب في فندق “جورج الخامس” عندما تعرف عليها ضابطان من الاستخبارات الفرنسية تحت أسماء مزورة. ولم تكن تشعر بأنها مراقبة فكانت تتناول المشروب معهم وتضحك وترمي بين حين وآخر سؤالاً حول بعض المسائل العسكرية الفرنسية، تلك الأسئلة كانت بمثابة الطعم في إلقاء القبض عليها.
النجاة من حبل المشنقة…
اقتيدت “كارمن” إلى معتقل “بوتيت روكيت” “”la potite rokette الموحش والذي يقع في إحدى ضواحي باريس، ثم شكّلت محكمة عسكرية لمحاكمتها بتهمة: لقاءاتها مع الضباط الفرنسيين ومحاولة البحث عن التحركات العسكرية الفرنسية، وخطط الدفاع في مواجهة قوات “هتلر” في حال سقوط خط “ماجينو”. لذلك أصدرت المحكمة حكماً بالموت شنقاً “لكارمن”، وقبل تنفيذ حكم الإعدام وفي منتصف سنة “1940”، اجتاح الألمان خط “ماجينو” ودخلوا باريس وأطلقوا سراح الجاسوسة “كارمن”، ثم استدعيت إلى برلين لمقابلة رئيس “الجستابو” الرهيب، وكلفها بمهمة خطيرة وهي التظاهر “كعضوة” في منظمات المقاومة السرية، واكتساب ثقة رؤساء التنظيمات السرية وكشف هويتهم ومكان عملهم وأسلوبهم والخطط التي ينوون القيام بها، ثم أعطى “كارمن” أوراق مزيفة على أنها فرنسية هاربة من باريس.
لم يتمكن أحد من إحصاء عدد الضحايا التي أوشت عنهم “كارمن” من رجال ونساء، وكلفت بعدها بمهام جاسوسية في هولندا وبلجيكا، وقد نجحت في ذلك، حيث تمكنت من كشف أسماء العديد من زعماء حركات المقاومة والوصول إلى تفاصيل دقيقة عن أسلوب عمل هذه المنظمات رجالاً ونساءً، بعد ذلك أسندوا لها مهمة الدخول لمعسكر الاعتقال الشهير في ألمانيا والذي يبعد “80” كم عن برلين.
وبدأت تراقب تصرفات وأقوال النساء المعتقلات في دول أوربا. بعد أسابيع عينت “رئيسة” لأحد عنابر معسكر الاعتقال. كانت “كارمن” تحب السيطرة والإرهاب وتستلذ بتعذيب المعتقلات، كانت تتمتع بمنظر السيدات وهن يرتعدن أمامها أو عندما كانت تجبرهن بالانحناء لها، وانتزاع اعترافاتهن بطرق شيطانية كالتعذيب بالماء البارد ثم جلدهن بالسوط لتلهب به ظهورهن.
جاسوسة للمخابرات البريطانية!!
بقيت “كارمن” ترأس ذلك المعسكر لمدة أربعة أعوام حتى تقهقرت جيوش “هتلر” وقضي عليها من قبل الجيوش الروسية التي وصلت إلى المعسكر فحررت الأسرى والسجناء.
اختفت “كارمن” عدة أسابيع، ثم هربت إلى انكلترا بجواز سفر فرنسي “مزور”، واسم مزور، وتقدمت بعرض خدماتها على البريطانيين على أنها كانت من المسجونين في سجن الألمان، فرحب الإنكليز بها واستعانوا بخبراتها، خاصة في تلك الأيام التي أعقبت استسلام “ألمانيا”، حينها كان الحلفاء يطاردون القيادات النازية وسجّاني المعتقلات لتقديمهم للمحاكمة. ولكي تضع الأقدار حداً أو نهاية لتلك المرأة الشيطانية، سرت الرياح عكس ما تشتهي السفن، كانت “كارمن” بمرافقة إحدى الدوريات البريطانية الاستخباراتية ففوجئت بامرأة تمشي على الرصيف، قفزت “كارمن” لتصطادها وزعقت في وجهها ظافرة بتلك الفريسة قائلة: “دوروثيا بنز”..! فجمدت المرأة في أرضها ونطقت بكلمة “موري”، عندما سمع الضباط كلمة “موري” تذكروا ذلك المعتقل المخيف الذي كانت تترأسه سفاحة تدعى “موري” فأخذوا “بنز” لاستجوابها وهناك اعترفت بأن “موري” هي السفاحة العميلة للمخابرات الألمانية والتي كانت تترأس السجن، و كانت “بنز” حارسة لديها في المعتقل. عند ذلك اعتقلت المخابرات البريطانية “موري” وألقوا بها في سجن “التونا” في “هامبورغ” لتنضم لزملائها من مجرمي الحرب.
نهاية الملاك الأسود “موري”!
عام “1946” تقدمت “موري” للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد أسرى الحرب من الحلفاء، بدءاً من التعذيب الوحشي وانتهاءً بالموت. وفي عام “1947” صدر بحق “كارمن” حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت.
كانت العادة في السجن ألا تحتفظ السجينة المحكوم عليها بالإعدام بأي من أدواتها سوى بقميص نومها، وكان الجو بارداً، فتوسلت “كارمن” إلى السجانة بأن تأتيها بخفيها، رق قلب السجانة لطلبها وجاءت لها بالخفين ومضت.
في صباح اليوم التالي، صدمت السجانة من منظر “كارمن موري” ممددة على الفراش، صفراء اللون وقد فارقت الحياة بقطع شرايين يدها بواسطة شفرة حلاقة كانت قد خبأتها داخل نعل أحد خفيها.