الزواج السري… بدايته جنة ونهايته جحيم
ناقوس خطر يهدد الحياة الأسرية
موضوع شائك وجريء ليس لمجرد أن “الجنس” هو الهاجس الرئيسي أو لأن عينة البحث أشخاصاً قد تزوجوا فعلاً بالسر ولكن لأن تلك الظاهرة وصلت إلى ما هو أبعد لمناقشة “الزواج العرفي” أو السري، هذه الظاهرة التي ولدت قوية وهزت أركان الأسرة العربية بقوة، وقد انتشرت بين الشباب والشابات وبين الرجال المتزوجين، وظهرت فيه أنواع عديدة بعيدة عن الدين وأقرب إلى “الزنا” كزواج “الكاسيت” و”الطوابع” و”الوشم”!!
في ظل هذا المناخ الاجتماعي المشبع بآفات قد تبدأ بالذاتية وتنتهي بالفشل في أسرة أفرزت مزيداً من المشاكل، وفي سياق حديثنا نستعرض أشخاصاً وأسباباً حقيقية تقف وراء انتشار ظاهرة الزواج السري.
خطورة الزواج السري أنه يتشكل في الخفاء ويموت في السر!!
وذلك بالتحايل على الشرع، فيحاولون إضفاء صفة الشرعية على ما هو ليس كذلك في الجري وراء قناع زائل وشهوة مؤقتة سرعان ما تتبخر مع الرياح والفرار من مسؤوليات اجتماعية مقدسة، فيتم إلباس الباطل ثوباً لا يليق به، وها هي “رانيا” تحدثنا عن تجربتها الخاصة وهي على مقاعد الدراسة الجامعية: “إنها ذكريات انتهت، لقد عشت أجمل أيام حياتي معه، كان زميلي ومن المستحيل أن تقبل عائلتي به بسبب التفاوت والاختلاف الاجتماعي، لذلك اضطررنا لكتابة عقد زواج “عرفي”، كنا نلتقي يومياً بغرفة صغيرة على السطح استأجرتها أنا، وكنت أقوم بكل احتياطاتي لأمنع “الحمل” على الأقل حتى نتخرج من الجامعة، لكن بعد سنة من زواجنا اختفى حبيبي عن الأنظار وقد أخذ معه عقد الزواج العرفي، لأبقى وحيدة مع آلامي، كان ابن عمي المقيم في أميركا يحبني جداً، أخبرته بكل شيء وقبل الزواج مني ليستر تلك الفضيحة التي أوشكت أن تطال عائلتنا والحمد لله تزوجنا وأنا سعيدة الآن”.
الفئران لا تكتب تاريخ المصيدة!!
إذا كانت “رانيا” هي الضحية، فهل يمكن أن يكون الرجل هو ضحية أيضاً!؟
لا يوجد مقارنة بين المتعة العابرة السطحية وبين الرضا العميق المتأصل، فالمتعة العابرة إثارة قصيرة الأمد لا تنفذ إلى أعماق النفس، فإما أن تتبخر وتختفي بعد وقت قصير أو تترك ندوباً وشعوراً بالندم..
“الفئران لا تكتب تاريخ المصيدة” هذا ما يشعر به السيد “أيهم. ع” عندما قال “بأنه عبارة عن مصيدة” “لقد تزوجت ابنة عمي بناءً على رغبة والدي وللحفاظ على شراكته مع عمي، ولم أكن أحبها لكني أنجبت منها أربعة أولاد، ربما تكون سيدة رائعة لكنها لا تصلح لي، كنت أحب أن أعيش بين أحضان امرأة تدللني وتغريني وتثيرني، ولكنها هي كانت بعيدة جداً عن الإثارة والحب، عندما سافرت إلى “الخليج” عرفت فتاة جميلة ومثيرة أحببتها وأحبتني وصارَحتُ والدي بأمرها لكنه جنً جنونه ورفض حتى أن يوف أسمها وقال بأنه سيغضب علي ويعيدني للصفر وسيحرمني من المعمل والعمل، لذلك تزوجتها “عرفياً” وتعلقت بها، حتى أنني وعدتها بتوثيق زواجنا في المحكمة حالما تسمح الظروف، وبعد سنتين اتصلت بي قائلة بأنها مزقت عقد “الزواج” وأنها صبرت علي كثيراً وستتزوج شخصاً آخر وتسافر، وفعلاً تزوجت وسافرت إلى “مصر”. ومنذ عدة أشهر تعرفت إلى امرأة مطلقة، رائعة الجمال، تعلقت بها وتزوجتها في السر أيضاً، وجلبت لها الهدايا والألماس لكي تصمت ولا تطالبني بتوثيق زواجنا لكن بعد مدة اختفت عن الأنظار، سألت عنها كثيراً دون فائدة، ربما تزوجت، المهم أشعر بالندم والإحساس بأني مجرد أداة أو جسر للزواج الحقيقي، مجرد “عشيق” لتمضية الوقت”.
هروب من العنوسة…
ابحثوا في أجندة عمركم.. لعل هناك روحاً التصق بها ظلمكم في وقت ما… فسقط الموقف من ذاكرتكم مع مرور الأيام ولم يسقط من ذاكرة الحياة…
تقول “مريم” التي سبق لها أن تزوجت مرتين في السر، “هناك أسباب كثيرة تدفع الفتاة لأن تبقى زوجة في السر، أولها: الخوف من العنوسة وثانيها: المشاكل المادية، فقد قبلت أمي الأرملة جميع شروط زواجي “العرفي” الأول، فقد انتشلني من حياة الفقر والعدم، ولكن بعدما تمت تلك الصفقة وبعد مرور سنة مزق ورقة الزواج العرفي وقال لأمي بأنه انتقل مع زوجته وأولاده إلى “كندا”..، أما الثاني كان يعدني بأنه سيوثق زواجنا في المحكمة عندما تحين الظروف لكن بعد فترة علمت بأنه قد تزوج من قريبته والتي هي في مستواه الاجتماعي، وعندما هددته بأني سأفضح أمره أمام زوجته وأريها عقد زواجنا “السري” قال: “حاولي أن تجربي، وسأمحيك من الوجود”.
آثار اجتماعية ونفسية تؤدي إلى الجنوح…
إن القوانين مازالت تكرس التمييز بين الجنسين فيما يخص مسألة ضبط تعدد الزوجات، كما أن الشروط التي وضعتها الشريعة الإسلامية تقضي وجوب العدل كشرط للتعدد، وخوفاً من عدم تحقيق ذلك البند، يلجؤن للزواج بعقد عرفي لتلبية الرغبات وخاصة بصغيرات السن الفقيرات، وتتم هذه الزيجات بقراءة الفاتحة وبحضور شاهدين، أو لا داعي لوجود الشهود. ويكتفون بعقد عرفي جاهز، وأحياناً يلجأ رجال طاعنون في السن للزواج من فتيات بعمر بناتهم أو حفيداتهم حيث تتأثر الأسر الفقيرة بالعروض المادية التي يقدمها الرجل “المتصابي”. والزواج السري لا يلزم الطرفين بأي أعباء ولا وجود لحقوق المرأة هنا ولا بإثبات النسب للجنين، كحكاية “أماني” “21” سنة التي انتهت بكارثة: “كنت أعمل في أحد المطاعم، فوجدت رجلاً في “57” من عمره ينظر إليّ بإعجاب، طلب مقابلتي فوافقت، وكل ما التقينا كان يشكو همه مع زوجته وأنه عاش معها “25” سنة دون سعادة وتفاهم، طلب أن يتزوجني بالسر فقبلت بشروطه، خاصة أن بناته أكبر مني سناً، لكن بعد فترة شعرت أني حامل وأني في الشهر الرابع وعندما أعلمته بذلك ضربني وأمرني بالتخلص من الجنين، وأخذني لعند الطبيب لأجهض الجنين لكن الطبيب رفض، وبدأت بطني تكبر فاضطررت للهروب من منزل أهلي ومكثت في الشقة التي استأجرها لي حتى ولدت طفلاً جميلاً، بعد فترة اشتاق لي فأتى لعندي، فأخبرته بأن هذا الطفل ابنه، فرمى ليّ بعض النقود وذهب، وبعد مدة فوجئت بزوجته تقتحم بيتي وتهددني بأنها ستبلغ أهلي بمكان وجودي ليقتلوني، ثم بعد يومين من مجيء زوجته أتى ومزق ورقة الزواج العرفي وبلّغني بأنه كتب اسم الطفل باسم أب آخر وخرج ولم يعد”.
زواج عرفي موثق في المحكمة…
لكن في الجانب الآخر، هل جميع قصص الزواج العرفي تنتهي بكارثة!؟ أم أنّ هناك حب حقيقي وإحساس ووعد قد ألزم حبيب “ناهدة” بتوثيق عقد الزواج في المحكمة، كان والدها يعمل في إحدى الدول العربية ووالدتها مديرة إحدى البنوك وهي وحيدة تخرج وقت ما تشاء، فالأم مشغولة بعملها والأب مسافر، وفي الجامعة تعرفت على زميل لها، وبعد سنتين من علاقتهما عرض عليها الزواج في السر فتزوجته، واستأجرا شقة مفروشة، وبعد أن تخرجا من الجامعة وثقّ زواجه في المحكمة ومازالا متزوجين حتى الآن.
الدكتور محمد حبش: الزواج يشترط فيه الإشهار والإشهاد:
إن حلم الشباب البسيط قد لا يتحقق إلا بعد مضي عشرين عاماً أو أكثر، فهل يمكن أن يكون الزواج السري هو الحل المناسب لشباب ضائع متخبط مستقبله مجهول، إن ذلك يدفع الشباب للزواج السري، فهم يعتقدون أن هذا الزواج صحيح شرعاً على خلفية أنّ أيام الإسلام الأولى لم يكن هناك محكمة ولا توثيق وكان يكتفى بحضور شاهدين وقراءة الفاتحة، وحسب الإحصائيات فإن نسبة 55% من هذا الزواج هو من أجل المتعة وإشباع الشهوات، و 40% تأخر سن الزواج عند المرأة، و60% ضعف الوازع الديني والحالة الاقتصادية السيئة وعدم الرغبة في تكوين أسرة، ولكن المرور بتجربة الزواج السري أياً كان نوعه هو تجربة مريرة بكل ما في الكلمة من معنى، وفي معهد الفتيات الجانحات في دمشق تبين أن ثلث الفتيات اللواتي يدخلن المعهد بسبب قضية “دعارة” ناتجة عن إشكالية متعلقة بعقد زواج عرفي كغطاء لبيوت البغاء.
في هذا الموضوع الشائك سألنا الدكتور “محمد حبش” عن رأيه في الزواج السري أو العرفي بكافة أشكاله فقال: “الزواج “العرفي” هو اصطلاح حديث يطلق على عقد موثق بصفة رسمية سواءً أكان مكتوباً أو غير مكتوب وإيجاب وقبول شفهياً ” لكن الفقهاء يشيرون إلى أركان الزواج على أنها العاقد والمعقود عليه وشاهدان والصيغة أي “عقد الزواج” ومن المؤسف أن المذاهب الثلاثة الشافعية والحنفية والحنبلية يشيرون إلى الزواج السري على أنه زواج تحققت فيه الشروط المطلوبة، ولكن ما أميل إليه وأفتي فيه هو المذهب المالكي الذي يشترط الإشهار والإشهاد، وإعلان وإيجاب وقبول وولي ومهر، فلو اتفق الرجل والمرأة على الزواج أمام عشر شهود واتفقوا على الكتمان فالزواج يعتبر فاسداً وفق المذهب المالكي فلا يكفي الإشهاد، فإذا أشهد وتواطأ مع الشهود على التكاتم وقع العقد فاسداً، حتى زواج “المسيار” “المتعة” يقع صحيحاً عند المذاهب الثلاثة ولكن فيه من السرية ما يكفي، الزواج يجب أن يكون علني، فالزواج في السر يجعل المرء مضطراً للكذب “50” مرة في اليوم، وهي ليست حياة أسرية فالهدف من الزواج هو تكوين أسرة وبناء أسرة.