// معاناة المرأة المطلقة وأولادها - Tahani Magazine

معاناة المرأة المطلقة وأولادها

معاناة المرأة المطلقة وأولادها

بين قصور القانون وتحايل الرجل

منذ أسطورة “عشتار” آلهة الخصب والجمال.. مروراً بـ “زنوبيا” ملكة تدمر.. والإمبراطورة السورية “جوليا دومنا” والدة قيصر روما العربي.. إلى السيدة مريم العذراء والدة المسيح عليه السلام.. كانت المرأة السورية عبر العصور والحضارات جزءاً مباشراً أو غير مباشر في صناعة المجتمع السوري وتقدمه روحياً وحضارياً.. بل وفي تقدم الإنسانية بشكل عام.

حين نذكر المرأة السورية.. تتدفق إلى أذهاننا صور تؤرخ لعظمة نساء ساهمن في تحقيق الاستقلال السوري.. ومررن إلى عصر المعرفة بنجاح في الجوانب الثقافية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وصولاً إلى نهضة عامة للمجتمع.

واليوم.. وعلى الرغم من النقاط المضيئة في حياة المرأة السورية قديماً وحديثاً من خلال تبووئها مناصب رفيعة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً.. ما زالت المرأة تناضل للحصول على بعض من حقوقها المدنية والشرعية، وللتخلص من ظلم الطلاق والهجر الذي يسبقه إخضاعها لسيطرة الرجل والمجتمع بسبب منظومة الأعراف والتقاليد والقوانين المستندة زيفاً إلى الموروث الديني.

وفي التحقيق التالي نحاول تسليط الضوء على جزء من هذه المعاناة من خلال الإطلاع على بعض إحصائيات انتهت إليها المحاكم الشرعية في كافة المحافظات السورية، حيث نلحظ تزايداً مستمراً لعدد دعاوى التفريق بين الأزواج، ففي دمشق وحدها عام 2008 وصلت حالات الطلاق لـ 5242 حالة، وبالتأكيد هذا العدد يتكرس سنوياً زيادة أو نقصان.

وهذه الحالات والقضايا ترافقها قضايا أخرى تتعلق بحضانة الأولاد والنفقة وتأمين السكن للحاضنة وما شابه، ولكل قضية تفرعاتها.

أهمية الاستقلال الاقتصادي للمرأة

من جهتها ترى الدكتورة ديالا الحاج عارف وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية أن أهم معاناة للمرأة المطلقة والحاضنة هي مشكلة النفقة،  وبحسب القانون فالنفقة يحددها القاضي الذي يعتمد على حساب معدل دخل الزوج، وتضيف: برأيي أن هذه النفقة لا تكفي، وينبغي أن تستقل المرأة اقتصادياً لتكون مستقلة في قراراتها دون الاعتماد على الآخر.

وفي موازاة واقع مؤلم تعيشه المرأة المطلقة والحاضنة، فثَمَة واجبات تحتمها المسؤولية الرسمية والشعبية تجاهها ومنها ما ذكرته الدكتورة ديالا الحاج عارف عن “عقد شراكة بين وزارة الشؤون الاجتماعية وجمعية تطوير المرأة، حيث استحدثت الجمعية مأوى للنساء اللواتي تعرضن للعنف، ولإعادة تأهيلهن ليكن منتجات ويحققن دخولاً مادية لإعالة أنفسهن وأولادهن.

لكن في الوقت ذاته ترى الدكتورة ديالا بأن “الجهود السابقة لا تنفي أن قوانين تنفيذ إجراءات الطلاق غير منطقية و”ذكورية” وبحاجة إلى إعادة نظر”.

وللحديث أكثر عن “مأوى النساء المعنَفات” التقينا مديرة الجمعية السورية لتطوير دور المرأة رانيا الجابري طلاس، حيث قالت: “في هذا المأوى تتعلم النزيلات بعض الحرف اليدوية البسيطة ومن ثم نسوّق ما ينتجنه لإعالة أنفسهن، إضافة لإشراكهن في دورات للحاسوب ونقدم لهن استشارات اجتماعية وطبية وقانونية مجاناً”.

الجهل أهم أسباب الطلاق

في المنوال ذاته تضيف رانيا الجابري طلاس: “إن الجهل والفقر من أهم أسباب الطلاق، فالجهل يضعف شخصية المرأة ويجعلها خاضعة لخوف شبح الطلاق، ويجعلها تلتزم الصمت عن المطالبة بحقوقها المشروعة خشية إغضاب زوجها وبالتالي طردها من منزل يأويها وتشريدها مع أولادها”.

وترى السيدة رانيا “أهمية رفع سويَة العلم لدى المرأة لمواجهة هكذا أزمات، وضرورة إعادة النظر في قضية تحديد “النفقة”، إضافة لإجراءات الطلاق التعسفي”.

وتضيف: من السهل على بعض الرجال التحايل على القوانين وتقديم شهادة “فقر حال” للتهرب من مسؤولياته كمنفق على زوجته وأولاده، الأمر الذي ينعكس على حال أطفالهم الذين يشعرون بالحرج أمام زملائهم نتيجة “العوز” الذي يعانونه مقارنة بأقرانهم، إضافة إلى أن مكان لقاء الزوجين المنفصلين غير مؤهل نفسياً لوجود أولادهم، حيث ينعدم فيه “الجو الأسري” ما يؤدي إلى تزعزع شخصية الطفل.

الطلاق التعسفي

 وحسب تجارب سابقة لنساء مطلقات، فإن معاناة معظمهن تأتي نتيجة تعرضهن لما يوصف بـ “الطلاق التعسفي” ، ويشير المحامي نذير سنان إلى أن “المشرّع السوري انتبه لهذا الأمر وعدَل قانون الأحوال الشخصية رقم 95 لعام 1953 بالقانون 34 لعام 1975، وأهم ما فيه أنه إذا تبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقه لزوجته دونما سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها نتيجة الطلاق بؤس وفاقة، جاز للقاضي أن يحكم للزوجة على مطلقها بحسب ماله ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها إضافة لنفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع التعويض دفعة واحدة أو شهرياً بحسب مقتضى الحال”.

ويقول المحامي سنان: “الطلاق التعسفي هو انحراف الزوج عن السلوك والأخلاق وما حددته الشريعة على الزوج من واجب حماية زوجته وأولاده بما لا يقل عن حمايته لأمه، بحيث لا يفرق الزوج بين حقوق أمه عليه وبين حقوق زوجته، فهي أم أيضاً”.

ويضيف: “الطلاق التعسفي يتعارض مع حقوق أفراد الأسرة في المجتمع السوري، ويعطل حقوقهم في الحياة، ويخالف أهداف الزواج الذي شرعه الله في شريعته”.

ويأسف سنان “لنتائج تطبيق قانون الأحوال الشخصية الخاص بـ”النفقة” رقم 59 لعام 1953 وتعديلاته حتى نهاية عام “2008”. ويشير إلى أن “الجدول المرفق رقم (1) يؤكد ضرورة تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية الخاصة بحماية الزوجة والأولاد إضافة إلى أهمية إفساح المجال للقاضي بالتصرف فيما يراه مناسباً وإنسانياً لفرض نفقة حضانة للزوجة وأولادها تكفيهم العوز وتسد احتياجاتهم الأساسية.

المعاملة على أساس المساواة

في الإطار ذاته تتفق هند قبوات المستشارة الدولية وسفيرة حل النزاعات مع الرأي السابق لجهة “ضرورة إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية وإجراء تعديلات تناسب تطور الزمن”، فالحكم في الأحوال الشخصية ينبغي أن يكون للقانون المدني المناسب لمختلف المذاهب والطوائف، بحيث يصبح لنا كمواطنين سوريين قانوناً موحداً لأسرة علمية متطورة يستند إلى الدستور وتكون المعاملات على أساس المساواة بعيداً عن أي تمييز.

وترى قبوات أن “القانون الحالي للأحوال الشخصية في سورية يعاني من ثغرات ينبغي تداركها وتقييدها دفعاً للضرر، فلا ضرر ولا ضرار، والمطلوب نفقة إعالة يتوجب ألا تقدَر بحد أدنى للكفاية بل بما يليق لبناء أفراد متكاملين ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وضرورة توفير مسكن مؤهل للمرأة الحاضنة لرعاية أولادها دون الحاجة إلى تسول حقها الشرعي من الأهل والأقارب والجمعيات الخيرية، ولن يتحقق ذلك بحفظ الحقوق من خلال قوانين تمنع الزوج من ارتكاب قرارات تعسفية ضد زوجته وأولاده.

وتشير المحامية هند قبوات إلى جانب آخر يساعد في حفظ حقوق المرأة يتعلق  بـ”أهمية المعرفة والعلم للمرأة وضرورة تضافر جهود المؤسسات الحكومية والأهلية لمحاربة جهل الفتيات والنساء وتمكينهن من حقوقهن المشرعة لهن، فالمرأة التي تملك المعرفة قادرة على مواجهة تحديات الحياة، ومن خلال التنمية الثقافية والمعرفية ستكون المرأة مؤهلة للاعتماد على نفسها بعيداً عن “مزاجية” الرجل أحياناً وعن التقاليد الجائرة أحياناً أخرى”.

 

المرأة أكثر من نصف المجتمع

من جهة ثانية، يردد البعض فكرة أن “النفقة للزوجة ينبغي أن تتبع الزمان والمكان”، وأن “نمو الأولاد وزيادة احتياجاتهم سبب مبرر لزيادة النفقة”.

ذلك ما أكدته مديرة تحرير مجلة المعارج لحوار الأديان هند عبيدين، حيث تقول: “المرأة ليست نصف المجتمع عدداً فقط  بل أكثر من ذلك بحكم تأثيرها في أولادها وأسرتها والمجتمع عامة، والدفاع عن المرأة وحقوقها ليس دفاعاً عن شخصيتها بل دفاعاً عن قيم التحضر والتقدم والتنمية وقيم العدل والمساواة التي جاء بها الدين الإسلامي”.

وبالنسبة لقضايا المرأة في قانون الأحوال الشخصية ترى السيدة هند عبيدين أن “ثَمَ خلطاً كبيراً بين العادات والتقاليد – التي في أحيان كثيرة يكون لها تأثيراً أقوى من القانون والنصوص الشرعية – وبين القوانين المدنية، وكون قانون الأحوال الشخصية يستند على أسس شرعية فإنه ينبغي إعادة دراسة وتعديل هذا القانون، فكما أن الأحكام الشرعية تتطور بتطور الزمان والمكان فالقوانين المستندة إليها ينبغي أن تتطور أيضاً لتؤدي الغرض المطلوب منها”.

مقاصد الشريعة الغائبة

وتشير عبيدين إلى “ضرورة العودة إلى مقاصد الشريعة الغائبة، فقانون الأحوال الشخصية قانون وضعي مُستوحَى من الشريعة الإسلامية ويخضع للاجتهاد، ما يحتم إجراء الانسجام الضروري للنصوص المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية الحالي الذي فتح مجالاً واسعاً لضروب من تجاوزات أخلت بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة وتناقض روح الدستور الذي يكرس مبدأ المساواة بين المواطنين رجالاً ونساء ويصون حقوقهم”.

وتعتبر عبيدين “تعديل القانون الحالي واجباً دينياً ووطنياً، وخاصة مسألة “تعدد الزوجات” الكيفي والطلاق التعسفي والهجر والغياب، وما يترتب على ذلك من مشاكل كالنفقة والسكن والواجبات الاجتماعية تجاه المرأة والأطفال، الأمر الذي يهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي”.

وتضيف: “الشريعة الإسلامية أعطت المرأة المطلقة وجوب الحضانة ونفقة تشمل السكن والمعيشة الكريمة وأجرة الرضاعة وتعويضاً عادلاً إن كان الطلاق تعسفياً”.

مما سبق عرضه من آراء، يتضح أهمية إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية السوري الحالي بما يحقق العدالة والإنصاف للزوجة المطلقة وأولادها من جهة النفقة، ويحد من “الطلاق التعسفي” وتبعاته السلبية على الأسرة والمجتمع، ومن جانب آخر تبدو أهمية كبيرة لتعليم المرأة تعليماً عالياً كي تحقق ذاتها واستقلالها الاقتصادي إذا ما وقعت ضحية لطلاق تعسفي..

تهاني صقر

العام النفقة الحد الأدنى الحد الأعلى ارتفعت حتى 2008
(2001/2006) نفقة كفاية شهر للزوجة تسري لمدة (4) أشهر 500 2500 3000
(2002/2006) نفقة كفاية شهر للزوجة تسري لمدة ثلاث أشهر 600 2500 3000
(2001/2006) نفقة شهرية لكل ولد 200 1200 1500
(2002/2006) نفقة شهرية لكل ولد 250 500 1000
(2002/2006) أجرة الحضانة لكل طفل شهريا 200 700 900

                                     ( الجدول رقم 1 )