// امتحانات الثانوية العامة أصبحت كالوباء المدمر.. - Tahani Magazine

امتحانات الثانوية العامة أصبحت كالوباء المدمر..

امتحانات الثانوية العامة أصبحت كالوباء المدمر..
الثانوية العامة “قنابل” من الضغوطات يكتوي بنارها الجميع..

بعض الآباء والأمهات ينسون ما كانوا عليه في صغرهم، ويبدؤون بمحاكمة أبنائهم بقولهم “عندما كنت بعمرك، كنت أفعل كذا وكذا، كنت الأول في المدرسة” وهكذا، حتى يتهيأ للابن أنه أمام ملاكين وليسا من لحم ودم، ينشأ الشاب أو الشابة في بيئة من الضغوطات النفسية والتلقينية، فبالإضافة إلى ضغط الثانوية العامة  والرعب من  نتائجها، هناك حرب قائمة بين الأهل والطالب، حتى يضطر الابن للكذب أحياناً تجنباً للشجار!!
العلاقة بين الشباب وآبائهم يسودها حالات، منها الخوف والرعب والقلق ومنها الطمأنينة، وفي كل  الأحوال الجيل القديم يؤثر في الشباب رغم أنفه، فالشاب يتأثر بشكل غير مباشر ودون أن يدري والأم أمنيتها في الحياة أن تكون “أم الدكتور أو المهندس” وكذلك الأب، فيمتلئ الشاب بحلم الكلمات الرنانة التي تشكل له هاجساً ليلاً نهاراً، وبدل أن يحاول الأهالي تفهم الشباب وتخفيف ضغط “البكالوريا” الشديد، يشاركون في هذه الملحمة التي أصبحت “غول” اسمه الثانوية العامة حيث تصبح “كالعنقاء” تؤرق حياة الجميع.

أمراض الثانوية العامة..
كثير من الأهالي يلجؤون إلى الشجار اليومي مع الطالب، فعندما  يجدوه ينصرف قليلاً إلى التلفاز يبدؤون بزجره والشجار معه، بأنه يضيّع الوقت الذي هو كالسيف، ويبحثون له عن ملخصات ومدرسين خصوصيين حتى ولو كان لاحاجة له بذلك.
وآخرون يعيشون في وسط تربوي حزين لآباء متسلطين، يعيشون في كنف علاقات تربوية عنيفة وصدامات انفعالية شديدة تساهم في تكوينهم الذهني والعضوي يتلقفها الطالب أو الطالبة، خاصة الطلاب الذين لا يستطيع أهاليهم اللجوء إلى الدروس الخصوصية. لذلك فإن آثار القمع والتسلط الداخلي من الأبوين قد يشكل أزمة نفسية للشاب ويؤدي إلى تدميره ذهنياً وأخلاقياً في مراحل لاحقة من حياته، أو ربما قد يؤدي به إلى جلطة “دماغية أو قلبية”.

حالات كثيرة أودت الطالب إلى الانتحار..
من منّا لم يسمع منذ سنتين بقصة “إسماعيل” طالب “البكالوريا” في مدينة “حلب” الذي انتحر بعد صدور نتائج الثانوية العامة، وأيضاً “زينب” في مدينة “طرطوس” التي انتحرت السنة الماضية!!
“إسماعيل” كان طالباً  لا بأس به في مدرسته، حاول المستحيل لإرضاء أهله وتلك هي “طاقته” كان الأهل يعيّرونه دائماً بأبناء أعمامه “الأطباء والمهندسين”، وغالباً ما كان ينشب الشجار بينه وبين والده عقب كل امتحان بعدوانية كلامية “فاشل ما رح تدخل جامعة بحياتك” هذا الضغط قد قاد “إسماعيل” إلى اليأس ومن ثم الاكتئاب وبعدها الانتحار..! وكذلك الطالبة “زينب”، فانتحار الشباب يرجع إلى ظروف أسرية النشأة وليس لها علاقة بالامتحانات، الشاب يتحمل الضغط والحفظ والتلقين والذاكرة القوية نضيف إليهم الرعب والخوف والقسوة..

رأي مختصين:
تبين الدراسات أن العنف التربوي يؤثر بقوة في عملية نمو الدماغ واستقراره، وقد يصل هذا التأثير إلى مستوى تدمير الدماغ وشلّ القدرة العقلية لدى الشباب، فيصبحون ضحايا العنف التربوي وحسب درجته في هذا النطاق يتحدّث عالم الأعصاب الدكتور “أنطونيو داماسيور”على المستوى البيولوجي العصبي: “أثناء الخوف من العقاب، يعاني الشاب فرط إفرازات  هرمونية مضطربة تؤثر مباشرة في النسق الوظيفي لعمل المخ ونموه وتضع الجسد في حالة استنفار كامل لمواجهة الخطر، فإن ردود الفعل تكون في حالة الدفاع أو الهرب أو الضياع أو في حالة التوتر والاكتئاب الشديد، وبالتالي فإن هرمونات الاكتئاب والصدمة تتحول إلى قوة تفتك بالجسد، فتهجم على النظام العصبي لدى الفرد وتلحق به أشد الأضرار لأن اضطرابات النظام الدماغي يمكنها أن تؤدي إلى عطالة وظيفية في طبيعة الدماغ ولا سيما في الدورة المجهرية للعصبونات الدقيقة”.

كيف نوقف مآسي الثانوية العامة؟!
أحد الآباء المهندسين قال لنا: “لقد شققنا طريقنا في ظل منظومة من المحرمات فرض علينا البحث عن وجودنا في الحياة خلف أبواب مغلقة لم تجد منفذاً، بالإضافة إلى قسوة “الدنيا” ومع ذلك صرنا وصنعنا مستقبلنا، واجتهدنا وتفوقنا لكي نخرج بشيء نتسلح به، بالإضافة إلى أننا تفوقنا على أقراننا ودخلنا كلية تفاخر بها والدانا أمام أقاربهم، ولكي نشعر أننا أفضل من الآخرين، لكن هذا الزمان غير زماننا، فهناك “الفضائيات” و “الكمبيوتر” وتطورات أخرى، ولا يمكن أن نقارن بين ما كنّا عليه وبين حياة أبنائنا، فالشاب المراهق يعيش بين حرب نفسية رهيبة، منشأها ذلك التطور الساحق في العالم وهو يريد أن يصل بسرعة إلى المال والشهادات والمستقبل دون أن يمر بمراحل عديدة، لذلك وجب على الأهل تقديم النصائح والإرشاد للشاب بدل تلك الحرب النفسية الرهيبة التي يعيش بين أجوائها ولنضع أسوأ الاحتمالات إن فشل الطالب في الثانوية العامة فهناك المهن العديدة، أو إعادة الثانوية واحتمالات أخرى”.

طرد المخاوف من المستقبل..
“العلم كالهواء والماء” مقولة خالدة للأديب “طه حسين” لربما كان هذا في زمن غير هذا الزمن وظروف غير تلك الظروف، ففي هذا العصر أصبح  المال أهم من العلم بالنسبة للشباب، وكم من شاب قد تخرج من أفضل الجامعات ويعمل أعمالاً مهنية لا علاقة لها بشهادته الجامعية، لذلك على الآباء أن ينحوا إلى المرح والليونة بدلاً من الصرامة والجدية والرعب “إنكم تكسبون المعارك أكثرها إذا استعملتم العسل بدلاً من الخل”. ومن غير المحبب أن نهين الطالب أو نجرح مشاعره أو نعيّره بأقربائه وجيرانه فيصبح منبوذاً..
يقول الدكتور الفرنسي المختص في علم النفس “جوزيف لودو”: “حاولوا أن تكونوا مثلاً طيباً لأبنائكم وأن يكون الوالد كريماً في دعم ابنه وفي إعطائه الحب اللازم في هذا العمر، ادعموا أولادكم من خلال المكافآت والعطاء ولا تحاولوا أن تقللوا من شأنه وانقلوا إحساسكم بالرضا حتى وإن فشل في الامتحان، أشعروه بأنه قد بذل أقصى مجهود وليحاول أن يعاود الكرّة، أبعدوا عنه الخوف الشديد من الفشل والقلق، ولنعلّمه أن هناك أشياء أخرى وأعمال عديدة ممكن أن يتعلمها ليصبح ناجحاً في المجتمع، واطردوا عنه المخاوف من المستقبل فلا يوجد أحدٌ كاملٌ في الحياة التي هي ليست فقط حكراً على شاب يرتدي سماعة وصدرية بيضاء أو من يحمل مسطرة بحرف “T”، هناك مهن عديدة في المجتمع بحاجة لها، وكلٌ ينجح في عمله، لذلك ولتطوير الشباب وتعبئة قدراته وطاقاته نحتاج خطة كبيرة طويلة الأمد، بالإضافة إلى تفهم الشباب واحترامهم وتقبل تفكيرهم المختلف، فإذا كان الشاب لم يتعلم كيف ينقذ نفسه بنفسه، وأن يتوقف عن النظر حوله، والتطلع لما في يد غيره، تاركاً قدراته تشيخ مع الزمن، وجب علينا أن نحاوره ونقدم له الحب بغض النظر عن الآخرين، ولنبين له أن فلسفة الإرادة هي الفلسفة الوحيدة التي أثبتت نجاحها على مر العصور، وأنه لا مكان للقلوب الضعيفة في هذا العالم، لنحاول أن نكون أصدقاء ونوجد له الحلول المناسبة إذا فشل في امتحان الثانوية العامة.

 

فاديا ناصر