بينظير بوتو
خمس رصاصات في الرقبة ثم قنبلة فجّرت سيارتها وقتلت 20 من أنصارها
اغتيال زعيمة وسط أنصارها كانت النهاية الدامية لابنة القدر “بينظير بوتو”
في 27/12/2007 اغتيلت أول امرأة في العصر الحديث، قادت بلداً مسلماً، وهي في الرابعة والخمسين من عمرها، وأصبحت ضحية المواقف الصلبة والحسابات العقائدية التي لا ترحم، رحلت ضحية الجهل بتفاصيل المشهد السياسي المعقد والتحالفات الغامضة التي تسود بلادها.
رحلت بعد غياب طويل عن نبض الشارع، إما بسبب السجن أو المنفى، رحلت ضحية الضغوط الدولية والتوازنات الداخلية الصعبة، لحقت بوالدها “ذو الفقارعلي بوتو”، الذي أعدم شنقاً بأوامر من “ضياء الحق” في نيسان عام 1979. ويبقى السؤال: من قتلها؟! السلطة أم الخصوم السياسيون؟… طالبان أم جماعات متشددة أخرى؟ لا إجابة لأن حكايتها في غاية التعقيد.!!
درست “بينظير بوتو” في جامعة “هارفورد” في الولايات المتحدة وجامعة “اوكسفورد” في بريطانيا، عادت إلى “باكستان” بفترة قليلة قبل الانقلاب على أبيها وإعدامه، ثم اعتقلت ونفيت خارج البلاد، عادت مجدداً إلى بلادها عام 1986، فقد كانت امرأة واضحة، وكانت تدرك أنها ستغتال عندما قررت العودة إلى “باكستان” بعد 8 سنوات في المنفى، وقد أرسلت قبل عودتها بأيام رسالة إلى الرئيس “برويز مشرف” تتضمن معلومات محددة حول الجهات والشخصيات التي تخطط لاغتيالها، وكانت تتلقى تهديدات كبيرة من جانب زعماء الجماعات الإسلامية المتطرفة. عندما عادت لقيت استقبالاً دموياً في “كراتشي” مسقط رأسها، أدى إلى مقتل 139 من أنصارها، لكنها نجت من الموت بسبب الصدفة، فقد قررت فجأة أن تستريح قليلاً داخل سيارتها المدرّعة قبل أن تواصل تحية المستقبلين حين وقع التفجير، وبعد شهر ونصف من تلك الحادثة قتلت غدراً مدافعة عن المبادئ والقيم والحق، مطالبة بحياة كريمة تحقق الحرية لشعبها الذي يتخبط بين فكي قرش الضغوط الخارجية والمؤامرات الداخلية، وهي الأطماع الإرهابية التي تمسك رقبته وتمنع عنه التنفس والهواء…
جاءت بأفكار ديمقراطية غربية، مرتدية ثياب الثقافة الباكستانية، مزجت الاثنين في برنامج سياسي مقبول، فأحبها شعبها، ومهّدوا الطريق إلى عودتها للحكم في الانتخابات المقررة بعد أسبوعين من مقتلها.
امرأة قوية لديها رغبة في اقتحام الصعاب…
ولدت “بينظير بوتو” في “كراتشي” في 21 حزيران عام 1953، كانت ابنة السياسي ورئيس “باكستان” السابق “ذو الفقار علي بوتو”، وهي أكبر أربعة أبناء لـ “ذو الفقار” من زوجته الثانية “نصرت أصفهاني” وهي إيرانية من أصل كردي، لذلك كان ضرورياً الإسراع بعملية الاغتيال لإزاحة المرأة التي تقف حجر عثرة في السلطات والجماعات الإرهابية، لذلك تراخت السلطة عن حمايتها، ومهّدت الطريق لاغتيالها، والذي كان مخطط له منذ توليها منصب رئيسة وزراء “باكستان” عام 1988.
يستحيل أن نجد امرأة أو رجلاً قد تعرض لما تعرضت له “بوتو” منذ نشأتها حتى مماتها، إنها امرأة قوية كانت تقع، ثم تقف، أكثر قوة وعزيمة ورغبة في اقتحام الصعاب، في عالم لا يعرف لغة الحوار إلا بالرصاص والتآمر وإراقة الدماء.
وليمة دم يحتفل فيها القتلة…
“بينظير” هي الثالثة في قائمة العائلة المنكوبة، سبقها والدها “ذو الفقار علي بوتو” رئيس “باكستان” من عام 1971 حتى 1973، الذي تآمر ضده الجنرال “محمد ضياء الحق” وأطاح به في انقلاب عسكري وأعدمه شنقاً، ثم أخوها وخصمها السياسي “مرتضى بوتو” الذي قتل في معركة مع قوات الأمن عام 1996، واتهمها خصومها أنها كانت ضليعة في اغتياله.
“باكستان” التي تتقاذفها أحذية العسكر ولحى المتطرفين، لن يسمحا لأحد أن يحكم سواهما، ولن يقبلا غيرهما بالحياة.!!
قبيل إعدام أبيها، اعتقلت في عام 1979 بأمر من “ضياء الحق”، وظلت في المعتقل حتى عام 1984، ثم سمح لها بمغادرة البلاد إلى “بريطانيا”، ومن هناك تولت قيادة “حزب الشعب الباكستاني”، تزوجت في 18 كانون الأول عام 1987، حيث كان عمرها 34 سنة لـ “آصف على زرادي” وهو ابن أحد الأسر الإقطاعية، وقد أنجبت ثلاث أبناء أقامت معهم في “الإمارات” وعندما عادت إلى “باكستان” لم تجلب أبناءها معها.
في يوم الخميس 27 كانون الثاني عام 2007 وبعد خروجها من مؤتمر انتخابي أعدّه مناصروها، وقفت في فتحة سقف سيارتها لتحية الجماهير المحتشدة، لتتلقى خمس رصاصات في العنق والصدر والرأس، تبعها عملية تفجير قام بها انتحاري يبعد عنها 25 متر. وهكذا أسدل الستار عن أول رئيسة وزراء في العالم الإسلامي وزعيمة مناضلة بمبادئها وعزيمتها على تغيير الفساد، والنهوض بشعبها نحو الأفضل، وتزويده بالقوة، في زمن الحقد والاغتيالات.