الماريشال الساحر:
ينتزع من الأطفال القلب والعين واليد قرباناً للشيطان
المكافأة الكبرى: منح لقب الماريشال…
في أثناء احتلال انكلترا لمعظم أنحاء فرنسا أوائل القرن الخامس عشر، كان “شارل السابع” ملكاً على فرنسا، وكان يحكم بلاده بمساعدة عدد من أصدقائه والمقربين منه، وكان لا يستطيع محاربة الانكليز، فهب عدد من الفرسان المخلصين له ومن بينهم “جان دارك” و “جيل دولافال بارون دوري”، وقد انتصروا على الإنكليز. عمد “شارل السابع” بمناسبة تتويجه إلى مكافأة أنصاره الأوفياء، فمنح لقب “شوفاليه” “فارس” إلى عدد منهم، وخص المكافأة الكبرى إلى “جيل دولافال بارون دوري” ومنحه لقب “ماريشال فرنسا” وهو في الخامسة والعشرين من عمره.
ليس كل ما يبرق ذهباً:
كان الماريشال “جيل دوري” من أكبر أثرياء أوروبا، ومن أعظمهم شأناً، ومحباً للآداب والفنون والعلوم، ويتكلم عدة لغات، ومبحر “باللاتينية”، كما كان جميلاً وقوياً. وحين انتقل الماريشال إلى مزرعته المفضلة في “تيفوج” كان في صحبته مائتا فارس من أعلى الرتب ولكل منهم خدمه وأتباعه وأعوانه، وكان الماريشال ينفق عليهم جميعاً ببذخ وسخاء.
لكن ليس كل ما يبرق ذهباً، فخلف تلك المظاهر الكذابة، بؤرة من الفساد تجمع “الماريشال” كل ليلة مع “شلة” من الفاسقين ومنهم أبناء عمه.
كانت ثروة الماريشال تتبدد شيئاً فشيئاً، حتى أنه صار يبيع من أملاكه ويستدين ليغطي حياة البذخ التي يعيشها، وقد أوشك على الانهيار. لكن زوجته وابنته شعرا بتلك الهوة التي يعيشها “الماريشال” فقررا اللجوء إلى الملك “شارل السابع” لكي يضع حداً لتلك المهزلة، فأصدر قراراً يمنع فيه الماريشال “دوري” من التخلي عن أملاكه.
السحر الأسود للحصول على الذهب
بعد ذلك الحد من تصرفات “الماريشال”، اتجه ذهنه إلى صنع الذهب بدلاً من البحث عنه، فأخذ يبحث في كتب التجار عن الصيغ التي تساعده على تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، وأصبح يلتهم كتب الكيمياء القديمة الملازمة للتنجيم والذي اختلط بها السحر الذي ينقسم إلى شقين، “السحر الأبيض” وهو الذي يتوسل الله والقديسين من أجل عمل الخير و”السحر الأسود” الذي يتجه إلى استحضار الشيطان لالتماس عونه عن طريق الذبائح الحيوانية والبشرية التي تقدم إليه كقربان، أرسل “الماريشال” من يبحث عن ساحر عظيم يحول المعدن إلى ذهب، وبدأ السحرة يتوافدون إلى القصر، وكان “الماريشال” يمدهم بأدوات وأفران لتذويب المعادن، وقد اعتكف معهم في قبو القصر الذي تحول إلى بؤرة من طقوس السحر والشعوذة، وكل شيء كان في الخفاء، لأن ممارسة السحر آنذاك يعتبر جريمة عقوبتها الإعدام.
كان كل ساحر يوهم “الماريشال” بأن الشيطان قد ظهر له بصورة أو بأخرى “كثعبان، أو فهد أو نمر” وهكذا كان “الماريشال” يبذخ بالمال والذهب على السحرة الذين كانوا يخفقون ويرحلون، لكن “الماريشال” لم ييأس بعد وقد خيل إليه أن الشيطان يقترب منه أكثر فأكثر. وأخيراً عثر على الساحر المطلوب وهو شاب فائق الجمال في الثالثة والعشرين من عمره أعجب “الماريشال” به إعجاباً شديداً، واستمرت طقوس السحر أياماً وليال دون فائدة، وعمد الساحر إلى تقديم القرابين الحيوانية للشيطان، ثم ادعى أن الشيطان قد ظهر له وطلب منه “يداً وقلباً وعيناً ودماً” منزوعة من أطفال جميلين، وعندما سمع “الماريشال” هذا الطلب لم يصبه الذعر أو الغرابة، فما أكثر الأطفال الذين قتلهم وأخفاهم من أجل متعته! فلماذا لا يقتلهم من أجل الذهب؟؟ فأتوا بفتى جميل كقربان أول لتقديمه إلى الشيطان، وقد انتزع “الماريشال” يد الضحية وقلبها وعينها وزجاجة من الدم الدافئ ووضعهم في منديل أبيض وقدمها للساحر لاستحضار الشيطان، وقد انتهى طقس الاستحضار في الصباح وتتالت طقوس أخرى وضحايا جدد دون فائدة.
ثورة المطران:
كانت حالة الذعر والذهول تهيمن على البلاد والعباد، وبدؤوا بالبحث عن أطفالهم المختفين، وما لبث هؤلاء أن تأكدوا أن حوادث الاختطاف تتم في قصر “الماريشال” “جيل دوري”، وأخبروا المطران بذلك وأطلعوه على شكوكهم، فألف المطران لجنة سرية لمراقبة “الماريشال” وراقبوه وهو يأمر جنوده بإلقاء الجثث في أعماق الحصون. تم العثور على “80” جمجمة لأطفال، بعد ذلك أصدر المطران قراراً يتهم فيه “جيل دوري” وبعض أعوانه بخنق الأطفال الأبرياء والتمثيل بهم بوحشية بعد أن يمارسوا معهم “اللواط”. وصل الأمر للملك وأمر بتأليف محكمتين: واحدة مدنية وأخرى كنائسية في مدينة “نانت”، واستمع أعضاء المحكمة والجمهور إلى الشهود عن تفاصيل الجرائم التي اقترفت بوحشية. واعترف “الماريشال” بكل جرائمه وتحدث عن ممارسته للسحر لاستحضار الشيطان، وأنه قام بتنفيذ أوامر الشيطان وإرضاءه، بعد ذلك قضت المحكمة بإعدام الماريشال “جيل دوري” ومساعديه والساحر شنقاً ثم إحراق جثثهم.