اغتصاب وقتل لفتاة في الخامسة عشرة من عمرها..
عبر التاريخ القضائي الفرنسي، هناك قضايا تبعث على الألم والاشمئزاز ومن بين تلك القضايا جريمة اغتصاب وقتل لفتاة قاصر، وقد حدثت هذه الجريمة عام 1848 أي في القرن التاسع عشر.
كانت الضحية فتاة في الخامسة عشرة، وقد اكُتشفت جثتها في مقبرة “سان أوبان” في “تولوز” والتي يفصلها عن بستان الرهبان جدار. كانت الجثة تحمل آثار جروح في رأسها ودم في راحتيها وخدوش وتمزقات في مواضع حساسة من جسدها، بدت وكأنها آثار لعنف ممارس على الضحية المغتصبة والتي تدعى “سيسيل”.
وقبل يوم من اكتشاف جثتها كانت ترافق معلمها الذي تعمل عنده كمبتدئة في تجليد الكتب، وقد رافقته إلى بيت الرهبان لتسليم كمية من الكتب المجلدة، وحين انتهت طلب منها معلمها أن تنتظره في رواق الدير ريثما يحاسب الرهبان، ولما عاد لم تكن موجودة وانتظرها بعد الظهر وكل الليل على أن تعود لكن دون جدوى.
جثة الفتاة كانت جافة رغم الأمطار..
في اليوم التالي عثر حارس المقبرة على الجثة، اتجه التحقيق نحو بيت الرهبان وفتشوه شبراً شبراً، وحتى الرماد والنفايات فحصت بدقة دون وجود أي أثر للجريمة، لكنهم عثروا على عشب مسحوق وآثار سلم وأقدام من ناحية جدار البستان، وعلى قمة الجدار وجد أثر قشط يدل على أن جسد الضحية جُرّ على الحائط قبل أن يلقى به إلى الناحية الأخرى، والذي أقلق المحققين أن السماء كانت تمطر طوال الليل والأرض مبللة بينما جثة الفتاة كانت جافة كما لو أنها وضعت بهدوء، لكن كل هذه الأدلة تؤكد مرور الجثة من بستان الرهبان إلى المقبرة.
لا شكّ أن الأنظار كانت تحوم حول معلم الفتاة لأنه لم يشارك يوم اختفاء “سيسيل” في البحث عنها، ثم سافر في اليوم التالي في رحلة لم يعرف سببها ولا غايتها ولا ضرورتها، وكان من الممكن حمل الكتب إلى مقر الرهبان دون اصطحاب الفتاة، وعندما عاد من سفره وقع تحت التحقيق والاستجواب، فقال بأنه شاهد في الرواق حيث كانت “سيسيل” تنتظر راهبين مختصين بالأمور الاقتصادية وهما: “ليوتاد وجبريان”.
استدعى المحقق الراهبين الذين أنكرا مشاهدتهما لأي فتاة، وبسؤال السكان الذين يحيطون بالمقبرة ومعلم “سيسيل” عن هذين الراهبين تبين أن “ليوتاد” كان يصدر منه حركات فاضحة، فأوقف القضاة “ليوتاد” وأحيل إلى محكمة الجنايات، وقد جمعت ضده أدلة جديدة، فقد وجد مابين قميصه وجلد بطنه قشّتان مخضّبتان بالدم، ووجد في الثياب المعدّة للغسيل في المقر قميصاً ملوثاً من الداخل، ومن الخارج، وتبين أن صاحب القميص هو “ليوتاد”.
قاد الفتاة إلى جانب المقبرة واغتصبها!!..
وافتتحت الجلسة في قصر العدل “بتولوز” وكان الجميع ينتظرون مصير “ليوتاد”، وبدأ النائب العام هجومه على “ليوتاد” قائلاً: “عندما يجتمع الاغتصاب بالفجور يدع خلفه أثاراً تنبئ بجريمة من ارتكبها، هناك دائماً دلائل لا تخدع مثل تلك التخريبات التي يسببها انفجار تلك العواطف عندما تنتقم لنفسها ذات يوم”، وأضاف: “إن سيسيل الصغيرة لم تختنق بين ذراعي رجل إباحي أو زير نساء أو تحت وطأة عناق فاجر، لكنها سقطت تحت سطوة هيجان يشبه الهذيان، والعفة تفرض التكبر على النزوة وضغط الحواس، وعندما تهرب العفة من يد المرء، تثور الغرائز بشكل فوضوي ضد عبودية النفس الطويلة، فتحدث الكوارث التي تشبه إنفجارات الحمم التي تمزق جوانب البركان”.
كان النائب العام قد توصل لمن ارتكب تلك الجريمة البشعة مسنداً أقواله إلى دلائل من أناس وأشياء، وقد قال: “إن كل شيء جرى في غرفة الخدم” فربما طلبت “سيسيل” رؤية الحمام وقد اقتاد “ليوتاد” الفتاة إلى الحمام ثم سلك طريقاً آخر أمام صديقه، فالريشة العالقة بين ثياب “سيسيل” تشبه تلك الموجودة في فرشة سرير “ليوتاد”، والفتاة عندما شاهدت اهتمام “ليوتاد” بها ذهبت معه إلى غرفة فيها كومة قش وقد تعانقا هناك، ثمّ قاد الفتاة إلى جانب المقبرة وتم اغتصابها بوحشية وقتلها… وجلب سلّماً ورماها إلى الحائط الآخر، أخذ “ليوتاد” يدافع عن نفسه ويكرر بأنه برئ، وقد حكمت عليه المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة، ولم يسُمع منه أي تذمر طوال وجوده في سجن “تولوز”.