الرئيس “شارل ديغول” حظّر بيع السلاح لإسرائيل..
ووقف إلى جانب الشعب العربي عام 1967
في كل دولة من دول العالم هناك أعلام لا تُنسى لأنها عملت على مصلحة الشعوب والنهوض بها نحو الأمام، والشعب الفرنسي ينظر إلى الزعيم “شارل ديغول” على أنه الأب الروحي الذي يعود له الفضل الكبير في استقلال “فرنسا” وتخليصها من الجيوش النازية إبان الحرب العالمية الثانية، فهو لم يتوقف عن دعم شعبه، فعندما نُفي إلى “لندن” أطلق الشعارات التي كانت تلهب الفرنسيين وتدفعهم إلى المقاومة، فمن هو الزعيم “شارل ديغول”..؟!
الهروب من قبضة الألمان..
ولد “شارل ديغول” في مدينة “ليل” الفرنسية عام 1890، كان والده “هنري ديغول” يعمل مدرساً، وأمه “جان مايو ديغول” ابنة عم والده، تزوج “ديغول” من “ايفون فاندرو” في 6 نيسان 1920 عندما كان أستاذاً مساعداً في مادة التاريخ بكلية “سان سير”، وقد أنجبا ثلاثة أولاد “فيليب” عام 1921، و”إليزابيث” عام 1925، وفي عام 1928 رزقا بمولودة أسمياها “آن” وقد ولدت مشلولة وتوفيت عام 1948.
تخرج “ديغول” من كلية “سان سير” العسكرية برتبة “ملازم” عام 1912، وعُيّن في الكتيبة 33 مشاة، وقبل الحرب العالمية الأولى أصبح “ديغول” قائد الفصيلة الأولى من الكتيبة الثالثة والثلاثين عام 1914، ترفع إلى رتبة “نقيب” عام 1915، وقلّد وسام “صليب الحرب”.
في 2 آذار عام 1916 أبيدت السَرية التي كان قائدها، واعتقل وأرسل إلى “أوسنا بروك” في “ألمانيا”، لكنه تمكّن من الهرب في 29 تشرين الأول عام 1916، بيد أنه اعتقل مرة أخرى على يد الألمان بعد ثمانية أيام، لكنه وضع خطة محكمة تمكّنه مع رفاقه الأربعة الهرب من قلعة “روز نبرج” عام 1917.
التحق “شارل ديغول” بكلية الحرب العليا عام 1922 وهو برتبة “نقيب” وأمضى فيها سنتين وتخرج بتقدير جيد. عام 1925 عمل “ديغول” بهيئة إمداد وتموين جيش “الراين”، ثم استدعاه الماريشال “بيتان” قائد القوات المسلحة ووزير الدفاع للعمل في مكتبه الخاص، ترفع “ديغول” لرتبة “رائد” عام 1927، ثم التحق بجيش الشرف عام 1929، حيث أوفد لمدة سنتين إلى “بيروت” عمل خلالها رئيساً لهيئتي الاستخبارات والعمليات، بعد ذلك التحق بالسكرتاريا العامة لوزارة الدفاع عام 1931، وأمضى فيها 6 سنوات. في عام 1934 ترفع لرتبة “مقدم”، وفي عام 1937 تولى “ديغول” قيادة اللواء “507” المدرع، وقد كان مقتنعاً أن الدبابة ستكون سلاحاً حاسماً في وجه الأعداء في الحرب القادمة، وعندما أصبح عمره 47 عاماً ترفع “ديغول” لرتبة “عقيد” وكان ذلك عام 1937.
الرئيس “شارل ديغول”..
في الحرب العالمية الثانية عام 1935 تولى “ديغول” قيادة دبابات “الجيش الخامس” لكن في عام 1940 دخلت القوات الألمانية “فرنسا” وتقهقرت الجيوش الفرنسية أمامها، وحاول “ديغول” تنفيذ هجوم مضاد لكنه فشل، وكان وقتئذ برتبة “جنرال” ووكيل وزارة الحرب والدفاع. ذهب إلى “لندن” لمقابلة “تشرشل” رئيس وزراء بريطانيا والذي وضع إمكانيات هيئة الإذاعة البريطانية تحت أمر الجنرال “ديغول” الذي استخدم أسلوباً آخر في الحرب وهو الإعلام، فمن خلال البث كان “ديغول” يناشد الفرنسيين بمواصلة المقاومة، وقد نظّم في “بريطانيا” القوات الفرنسية الحرة، وقام بزيارة إلى “القاهرة” و “سورية” و”لبنان” في آذار عام 1941 لاستقطاب القوات الفرنسية هناك، وفي أواخر عام 1941 أصبح رئيساً للهيئة الوطنية الفرنسية في لندن، في عام 1943 وافق الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية بأن يصبح “ديغول” قائداً للفرنسيين المقاتلين، وفي عام 1944 بدأت عمليات تحرير “فرنسا”، واستطاعت الفرقة الثانية المدرعة وفرقة المقاومة الشعبية أن تجبر “الألمان” على الاستسلام والرحيل في 26 آب 1944، استقبل الشعب الجنرال “ديغول” في “باريس” استقبالاً حافلاً، حيث أصبح رئيساً للحكومة المؤقتة، وفي عام 1945 انتخب “ديغول” من قبل البرلمان رئيساً للوزراء، وفي عام 1958 قام “ديغول” بتشكيل حكومة فرنسية تتمتع بصلاحيات مطلقة وقد وضع دستوراً للبلاد.
تمّ انتخاب “شارل ديغول” رئيساً لـ “فرنسا” عام 1958 وقد منح الجزائريين استقلالهم عام 1962، بعد حرب دموية دامت سبع سنوات.
وسّع “ديغول” إطار الحريات في عهده ، فمنح النساء حق التصويت في الانتخابات، وأسس الضمان الاجتماعي للفرنسيين من الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة.
في عام 1962 تعرض “ديغول” لمحاولتي اغتيال من منظمة الجيش السري المكونة من أوروبيين وجنرالات فرنسيين، فقد أدهشهم جلاء الفرنسيين عن الجزائر فقاموا بمؤامرات لاغتياله وقد نجا منهما وباءت أعمالهم بالفشل.
كان “ديغول” شخصية مهابة ومتحفظة وصارمة، وقد عمل من أجل أمته وشعبه، وأقام علاقات جيدة مع الدول العربية والبلدان الاشتراكية، واعترف بالصين الشعبية، وفي حرب الـ 67 “نكسة حزيران” حظّر “ديغول” بيع السلاح إلى إسرائيل ووقف إلى جانب الشعب الفلسطيني والشعب العربي ككل.
مئة ألف نسخة بيعت من “مذكرات حرب”..
استقال من منصبه عام 1969 واعتزل العمل السياسي، وبدأ بتدوين مذكراته ومؤلفاته ومن أهمها: “الخلاف مع العدو” التي كتبها عام 1924، و”حدّ السيف” عام 1932، وكتابه الثالث “نحو جيش المستقبل” الذي صدر عام 1934، وفي عام 1938 أصدر كتاب “فرنسا وجيشها”، ثم في تشرين الأول 1946 أصدر كتاب “مذكرات حرب” وبيع منه مائة ألف نسخة خلال خمسة أسابيع.
توفي الزعيم “شارل ديغول” في 9 تشرين الثاني 1970 بنوبة قلبية عن عمر ناهز الثمانيين عاماً، ودفن في قريته القريبة من مدينة “ليل” الفرنسية، وإلى الآن مازال رمزاً لفرنسا يُحتذى به في نظر الشعب الفرنسي.