الفنان التشكيلي صفوان داحول: العمل اليومي يجلب الوحي والإلهام
لوحات الفنان “صفوان داحول” توحي بأشياء قريبة إلى الروح والوجدان، أو اكتشاف اللاشعور، هي تشبه أنفاس قادمة من عالم خفي ومدهش معاً، فهو يتحفنا دائماً بكائنات يشغل الإحساس تجسيدها أكثر من الجسد، يفتح لنا ممرات داخلية متواصلة بين الحلم والواقع، في خصوصية واضحة لأسلوبه في الرسم. تغيرات مرئية تعتمد على توظيف هندسي طورها بجهد شاق وموهبة غير عادية.
التقينا الفنان التشكيلي “صفوان داحول” في مرسمه وكان لنا معه هذا اللقاء المميز
أحياناً نقرأ حزناً، وأحياناً بعداً وصمتاً، بكمية كبيرة من الأسرار الداخلية، هل يستطيع الفنان “صفوان” الرسم في أي وقت؟
طبعاً، وهذا هو مبدأي، فأنا لا أحب أن أحدد سبباً أو وقتاً للرسم، وأبقى بشكل يومي في مرسمي لمدة ثمان ساعات، ربما يتعلق سؤالك بما يسمى “استحضار الفكرة” مثلاً، لكني لا أؤمن بهذا الأمر أيضاً، لأن الفكرة تأتي أثناء الرسم، ولا يجب أن يكون لها وقت محدد لاستحضارها، العمل اليومي يجلب الوحي والإلهام، وليس بالضرورة أن أنتظره حتى يأتي، وأحياناً أبدأ بفكرة، لكني أجدها تتغير كلياً أثناء الرسم، لذلك، يكفيني وجود 10 % من الفكرة في مخيلتي وأن أترك 90 % منها كمفاجأة لي.
العلاقة بين الفنان ورسوماته علاقة العاشق والمعشوق، لاسيما أن ملامح الشخصية الذكورية في رسوماتك تشبهك، فإلى أي مدى تشبهك لوحاتك؟
تشبهني لأقصى حد ولدرجة التطابق، فأنا أشعر عندما أرسم أني أكتب مذكراتي اليومية، و كل شيء جديد أحب أن أقوله، أشعر أنه مرتبط بالكتابة أكثر من الرسم، كما أني أرسم الشيء الذي أعيشه وليس الشيء الذي أتخيله، حتى أني أفترض أحياناً أني أصور نفسي صوراً فوتوغرافية.
حدثنا عن ذلك الحزن المكنون في لوحاتك!!
مواد الرّسام ليست ريشاً وألوان فقط، بل هي مواد معنوية أيضاً منها “الفرح” و”الحزن” و”الحلم”، وهذا يعطي الصدق لـ اللوحة واللون والموضوع، “الحزن” ليس مادة استفزازية أو قابلة للمزاودة، بل ترتبط بطبيعة الشخص وحياته، وما حوله من أمور تشدّه نحو المجهول والغموض، الذي يولّد الخوف والحزن أحياناً.
ما سر اهتمامك بالتفاصيل الدقيقة، رسم العينين وتشكيلهما وحركة الأصابع وخطوط الرقبة؟
أحياناً يبدأ الفنان بشكل معين للرسم، لكنه لا يعرف إلى أي وقت سيستمر بهذا الشكل، ومع الوقت يصبح هذا الشكل هو خصوصية الفنان، ربما هذا ما يفسر تركيزي على شكل “اليدين والأصابع والرقبة” في رسوماتي، لقد أصبح بيني وبين تلك التفاصيل ألّفة معينة، ومع الوقت تتطور وتقدّم أشكالاً جديدة، لذلك لا أريد أن استبعدها من لوحاتي.
كيف توظف الأشكال الهندسية “مربع، مثلث” في لوحاتك، ولماذا؟
أنا متشدد جداً بموضوع “التكوين”، لأن الأساس المعماري للوحة هو من أهم الأشياء، حتى لو كانت تجريدية، فالعمارة شيء هندسي بالنهاية، وأنا أعتمد على “التكوين”، لأني أجد فيه حيلة ثانية، خصوصاً أني أخفف من الألوان وأعتمد الاختصار الشديد، الشكل الهندسي يدعمني باللوحة ويعطي التكوين الصحيح لها.
هناك كمية كبيرة من الأسرار تتسلل عبر الحنين إلى ذكريات مضت ! كيف تؤثر تلك الذكريات في لوحاتك، إن كان لها تأثير؟
الذاكرة أيضاً هي مادة إضافية للفنان، ففي أوقات ولحظات معينة تبقى مسيطرة على الإنسان ولا تفارقه، ربما مدى الحياة، هذه الأحداث تتثبت بالذاكرة، وتؤثر في رسومات الفنان، ومن ثم يذهب السبب الأصلي ويشتغل الفنان على اللوحة الجديدة، لكن عند العودة للمصدر الأساسي نجده مأخوذاً من الذاكرة، لذلك يقولون أن الفن هو سلسلة، لأنه يعتمد على ذاكرة تعود لآلاف السنين.
ما سبب اعتمادك على لونين أساسيين في رسم اللوحات، “أصفر وأسود” أو “أسود وأبيض” ؟
أحياناً لا نستطيع تفسير كل الأشياء التي نقوم بها، لقد فكرت صدفة بتخفيف الألوان في رسوماتي، وهذا الأمر لاحظت أنه مع الوقت منسجم مع أعمالي، ربما السبب أني لا أرى ألواناً كثيرة في حياتي، عندما أنتج العمل بهذه الألوان القليلة فهذا يرتبط بما أعيشه حالياً من تقشف بحياتي، وليس بالضرورة أن تكون الألوان الكثيرة هي التي توصل الفكرة. المهم النتيجة وليست الوسيلة.
كان لك معرضاً في “دبي”، وآخر في “بيروت”، كيف وجدت ردود أفعال الناس هناك، وإقبالهم على شراء اللوحات؟
هذا معرضي العشرون، ومع تكرار المعارض يزول الخوف منها ومن نتائجها المتعلقة بردود أفعال الناس، ويبقى تحدي الفنان لنفسه، لأنه يعمل أصلاً لذاته ويتحدى نفسه، عندها تصبح الآراء مجرد تحصيل حاصل، وأنا أشعر بالراحة عندما اكتشف بالنهاية أني أتحدى نفسي فقط. أما موضوع التسويق فإن الفنان يعتاد عليه مع الوقت، وبما أن عملي الآن أصبح مرتبطاً مع غاليري “أيام”، سواء في “دبي” أم “بيروت”، فأنا أريد أن أقول بأمانة أنهم يقومون بجهد كامل وكبير بالنسبة للفنان. أنا مرتاح جداً لأنهم يقومون بهذا الجهد بهذه الطريقة اللائقة للفنان. غاليري “أيام”، خففت عني نصف الجهد الذي كنت أبذله.
ما هي أحلامك؟
ذكرت في أول كتاب طبعته أني أحلم أن أكون رساماً، أما الآن فأنا أحلم أن أظل رساماً.
هل تتمنى أن يصبح أحد أبناءك رساماً؟
طبعاً، وإبني “ساري” يدرس الآن الفن التشكيلي، لكن هذا الأمر لا ينتقل بالوراثة ويعود للموهبة، وأحياناً يلعب تأثر الأبناء بالأهل دوراً بذلك.
ما رأيك بمجلتنا؟
قرأت العدد الأول منها، وهي مجلة جميلة، هذا واضح من خلال وجود جهود جماعية عملت على إنجاحها، لكن المهم في كل شيء هو الاستمرار، وهذا ما أتمناه لكم .